الثلاثاء، 5 يناير 2010

مسيحى فى صفوف الاخوان


مسيحي في صفوف الإخوان المسلمين ـ
هل تصدق أن جماعة الإخوان المسلمين تضم في عضويتها أفرادا مسيحيين لهم كافة صلاحيات العضوية ويساهمون بدفع اشتراك شهري نظير انضمامهم.. هذه ليست "نكتة"، وإنما هي وقائع وأحداث أثبتها التاريخ وسطرت فصلا من فصول العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين وبين الأقباط.يجد المتابع لموقف الأقباط بمصر في السنوات الأخيرة أن الغالبية العظمى صارت تعتبر أن تنامي نفوذ حركة الإخوان المسلمين يهدد مبدأ المواطنة، وبالتالي اتجه الموقف المسيحي بشكل عام وموقف الكنيسة بشكل خاص إلى تبني الطرح الحكومي الذي يحظر أنشطة الحركات الإسلامية ويستعمل معها الأداة الأمنية فقط، وعلى الرغم من صدور العديد من التصريحات والتطمينات التي يسوقها قادة الإخوان بين الحين والآخر، إلا أن ذلك لم يمنع هاجس الخوف والتحفز من أن يظل مسيطرا. ولكن المتتبع لتاريخ العلاقة بين جماعة الإخوان وبين الأقباط يلاحظ أنه على مدار التاريخ لم يحدث ما يعكر صفو تلك العلاقة بشكل عام، كما تكمن المفاجأة الأكبر في وجود حميمية واضحة في تلك العلاقة وبالذات في فترة النشأة الأولى للإخوان على يد "حسن البنا"، لدرجة مشاركة مجموعة من الأقباط في اللجنة السياسية المركزية للإخوان التابعة لمكتب الإرشاد في ذلك الحين، وهم "وهيب دوس" المحامي و"لويس فانوس" عضو مجلس النواب .وبالرغم من أن "البنا" لم يتناول في كتاباته تفصيلات القضايا المطروحة حاليا على الساحة والتي تثير الحساسية فيما يتعلق بالشأن القبطي، إلا أن ذلك يرجع بشكل أساسي إلى المناخ السائد في ذلك الحين، والى الصلات الحسنة والعلاقة الوطيدة التي كانت تجمع بين المسلمين والمسيحيين بصفة عامة بعيدا عن جو الاحتقان الطائفي المسيطر على الساحة حاليا، فكانت أغلب كتاباته تتحدث عن حماية الإسلام للأقليات عموما وعن علاقة الوحدة بين أبناء الأمة من مسلمين وأقباط، ولكنه كان حريصا على إثبات وتحقيق تلك العلاقة بشكل عملي وتطبيقي، فلم يجد حرجا على الإطلاق في تبادل التهاني في الأعياد مع الأقباط، وتؤكد الوثائق أن "البنا" قد أرسل إلى "حبيب المصري باشا" رئيس جمعية التوفيق القبطية البرقية التالية: "تلقيت بيد الشكر دعوتكم الكريمة لحضور احتفال النيروز المصري، وكان يسعدني أن أحضر بنفسي لولا أني مريض منذ يومين، وقد أنبت عني الأستاذ "عبده قاسم" سكرتير عام الإخوان المسلمين.. مع أطيب التمنيات"، وقد تلقى الرد مباشرة من رئيس الجمعية يشكره فيه على تلبية الدعوة ويدعو له بالصحة الموفورة.كما تشهد وقائع التاريخ بأنه حينما رشح "البنا" نفسه في الانتخابات النيابية سنة 1944 في عهد وزارة "أحمد ماهر" عن دائرة الإسماعيلية كان وكيله في لجنة "الطور" يوناني مسيحي يدعي "الخواجة باولو خريستو" وكانت هذه اللفتة مثار سخرية قادة الحزب السعدي الحاكم في ذلك الحين، كذلك فقد كان "البنا" حريصا في حضوره للمؤتمرات الوطنية الكبرى التي تعقد في عواصم المحافظات من أجل شرح المطالب الوطنية لجلاء الإنجليز ووحدة وادي النيل على أن يصطحب معه" نصيف ميخائيل" وهو أحد الأقباط المتخصصين في قضية قناة السويس.ومن الوقائع التي يجب الإشارة إليها ما حدث عندما تقدَم شابان مسيحيان يعيشان في طنطا للانضمام لشعبة الإخوان المسلمين هناك، حيث انقسم الإخوان ما بين مؤيد لانضمامهما وما بين معارض لذلك، وعندما أرسل الإخوان "للبنا" يطلبون منه الفصل في الموضوع كان رده عليهم بقبول الاشتراك فورا. وقد كان البنا واضحا في حرصه على مبدأ المواطنة وشراكة الوطن، وعندما سئل عن مسألة الجزية كانت إجابته بحسم أنها أصبحت اليوم غير ذات موضوع، ما دام كل المواطنين ينخرطون في الخدمة العسكرية ويدافعون عن الوطن سواء بسواء.على الجانب الآخر فقد رأى المسيحيون في ذلك الحين من الإخوان تجسيدا لمعاني الوطنية والمحبة والصالح العام وكان موقف أغلب القيادات القبطية مؤيدا لهم، فوقف "لويس فانوس" النائب القبطي بمجلس النواب يطلب من الحكومة دعم جمعية الإخوان المسلمين، لأنه اعتبرها الهيئة الوحيدة التي تعمل على تنوير الأذهان وإيقاظ الوعي الشعبي في النفوس ونشر المبادئ السليمة والدين الصحيح والأخلاق الفاضلة، كما كان بعض المسيحيين يدفعون اشتراكات ثابتة لشُعب الإخوان تعبيرًا عن تأييدهم لكل ما ينادون به، وقد ظهر مدى التعاون بين الطرفين عندما أعلن الإخوان عن فتح باب الاكتتاب لشراء دار جديدة للإخوان في الحلمية الجديدة؛ مما دفع بعض الأقباط إلى المشاركة في هذا الاكتتاب تقديرًا للوحدة بين عنصري الأمة؛ فقد تبرع الخواجة "فرنكو" التاجر بـ10 جنيهات، وهناك من تبرع بـ5 جنيهات، مثل جرجس بك صالح، وآخربـ20 جنيهًا مثل مريت بطرس غالي، وقائمة أخرى طويلة لا يتسع المجال لذكرها ولا يزال التاريخ يذكر بكل فخر بأن "مكرم عبيد" كان هو الرجل الوحيد الذي شيع جنازة صديقه "حسن البنا" بعد أن منع البوليس السياسي آنذاك الرجال من المشاركة في الجنازة، وان كتائب الإخوان التي شاركت في حرب فلسطين عام 1948 قد ضمت متطوعين من أقباط مصر وفلسطين.وإذا اعتبرنا أنه لا يوجد ما يمكن أن نطلق عليه الموقف القبطي تجاه جماعة الإخوان المسلمين على اعتبار أن الأقباط ليسوا كتلة سياسية واحد أو أصحاب مشروع سياسي يعكس انتماءهم الديني، إلا أن العلاقة الحالية التي يشوبها الشك والارتياب بشكل عام من الطرفين، هي نتاج المشهد السياسي المليء بالاحتقان على كافة الأصعدة، وهو المشهد الذي يحتاج إلى استدعاء مثل تلك المواقف والأحداث التي سقط بعضها من الذاكرة التاريخية للطرفين ربما بفعل فاعل.

ليست هناك تعليقات: